الاثنين، 3 ديسمبر 2007
الإنسان بطبعه يستقذر الذباب ، و يعتبر وجوده في مكان ما دليل على عفن ذلك المكان ، لذلك نجد الكثير من القصص و الأمثال التي يدور مضمونها حول الإنسان و علاقته بالذباب و بعد تتبعي لكل ما له علاقة بهذه الحشرة و جدت أن هناك علاقة بينها و بين العراق أو بلاد الرافدين كما يحلوا للبعض تسميته لكون هذا البلد يوجد بين النهرين، في القسم الجنوبي الغربي لقارة آسيا، و عليه قامت بابل (القرن الرابع قبل الميلاد)، حيث ظهرت أول كتابة في التاريخ(الكتابة المسمارية)، في مدينة أور في الناصرية جنوب العراق حاليا، قبل أن تتعاقب عدة دول من اكاد و سومر، و الحكم الكاشي و الكلداني و الآشوري، مرورا بالساسانيين و المناذرة ، و صولا إلى الخلافة الراشدية و الأموية فالعباسية، إنتهاء بالجمهورية فالإحتلال حاليا ..وليس هذا هو موضوعنا، بل موضوعنا اليوم سيكون حول علاقة العراق بالذباب،نعم الذباب ذلك المخلوق الذي وصفه صاحب المعلقة عنترة حيث قال: أو روضة أنفاً تضمن نبتها ***غيثٌ قليل الدّمن ليس بمعلمِ جادت عليها كل عين ثَـرَّةً *** فتركن كل حديقة كالدرهم سحاً وتسكاباً فكل عشيةٍ*** يجري عليها الماء لم يتصرم فترى الذباب بها يغني وحده*** هزجا كفعل الشارب المترنم غـردا يـحـك دراعـه بـدراعـه *** فعل المكب على الزناد الأجدم و من المعروف أن أنواع الذباب تعدت مائة ألف توع، و لكن عشرة أنواع منها فقط هي التي تعيش في المنازل و البيوت، و قد قال بعض الملاح أن تسعة أعشار منها تعيش في الدول العربية، و العشر يجوب العالم و إذا اتى الليل بات عندنا..!! و يمكن القول ان الذباب كان من الحشرات الأولى التي ظهرت على الأرض منذ أكثر من 430مليون سنة، أي أنها سبقت الدينصورات الطائرة بأكثر من 230 مليون سنة، مما يعني انها سبقت الطيور أيضا. فإذا كنا نعتبر ان اول حضارة و أول قانون ظهر في العراق أو بلاد الرافدين، جاز لنا ان نقول أن الذباب من أولى الحشرات التي ظهرت على كوكبنا لهذا لا نستغرب العلاقة الوطيدة بينهما، و لا الحملة التي تشنها امريكا على كليهما ، فلا تقلقوا لا على الذباب من "مورتي" الأمريكي و لا على العراق من الإحتلال الحالي، لأنهما يجيدان التكيف مع الظروف.. و بعد الإطمئنان إلى مستقبلهما، نبدأ في عرض أوجه العلاقة التي تجمعهما من خلال بعض النماذج التي وصلتنا ، و أولها أن رجلا رمى الجمرات في الحج و قتل ذبابة، و جاء إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال له:قتلت ذبابة عند رمي الجمرات، دون قصد(و الله)فهل علي من قضاء؟؟ غير أن ابن عمر أراد أن يتيقن من أي البلاد هذا الشخص و ما إذا كان من جمعية الرفق بالحيوانن فسأله إبن عمر:من أي البلاد أنت؟ قال: من أهل العراق.(يا للهول كيف يتجرأ على قتل ذبابة مرة واحدة) أكيد غضب ابن عمر ، فقال له: إذهب قاتلكم الله .. قتلتم الحسين و لم تسألوا عن ذنب ذلك ثم تسألون عن الذباب ..!؟ و ثانيها، نموذج يدور حول ذبابة طريفة، ظريفة عرضت لأبي جعفر المنصور الخليفة و هو يخطب، فجعل يزيحها بيده، فترجع، حتى ضجر و غضب، (من كثرة معارضتها)، فلما إنتها من الخطبة، نادى عمرو بن عبيد، و سأله : لم خلق الله الذباب؟ فقال له: ليذل به الجبابرة. و ربما يكون ابن عبيد صادق في قوله إلى حد بعيد، و تنبأ بأمر خطير ، لم ينتبه إليه أحد حتى وقع الفأس في الرأس ..لأن الذبابة الثالثة لم تكن إلا أحد تلك الثلاثة الذين تكلم عنهم 'حرامي بغداد' خير الله طلفح، و هو بالمناسبة خال صدام حسين،في كتابه :"' ثلاثة كان على الله أن لا يخلقهم : الفرس، و اليهود، و الذباب"'، في عشرة صفحات ، و كأن حرامي بغداد أراد أن يعلم الله سبحانه ما يجب أن يخلق و ما لا يجب ..و هو القائل سبحانه : {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} (الحج ـ 73). و صدق الرسول إذ قال عن الذباب: (..فإن في أح جناحيه الداء و في الآخر شفاء) . و لو إطلع على هذا الحديث لأبتعد عن الذباب طلبا للسلامة من جناحها السام و لما تعرض له بالنقد، لكنه لم يتعض، فكان أن أصيب بما لم يتوقعه لا هو و لا صدام، و ذلك لأن للذباب جناح طائشة ، لذلك نجد الآشوريين يقدمون القربان للذباب رجاء تجنب أذاه و إزعاجه الذي قال عنه الفرزدق ليت أنهم دفعوا إلي نصيبي من الذباب ضربة واحدة، بشرط أن آكله لراحة الأبد منها)، و من بعد الآشوريين كان اليونانيون يقدمون العجول قربانا للذباب خوفا من بطشها و الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تقود حملها الشرسة لاحتلال العراق و القضاء على تاريخه قادت حملة أشرس في بداية القرن العشرين للقضاء على الذباب، و قد أطلق على هذه الحرب " اليوم الوطني للذباب"، حيث كانوا يخصصون خمس دقائق في اليوم لقتل الذباب فتُدق الأجراس وصفارات الإنذار كل يومٍ في الساعة الواحدة إلا خمس دقائق زوالاً، فيخرج الجميع لأداء هذا الواجب طيلة خمس دقائق يعودون بعدها إلى أعمالهم. و بالعودة إلى العراق نجد أن الجاحظ في كتابه البخلاء يقول في بيتين من الشعر: رأيت الخبز عزّ لديك حتى *** حسبت الخبز في جو السحابِ وما روحتنا لتذب عنا *** ولكن خفت مرزئة الذبابِ كما أنه روى في كتابه "الحيوان" قائلا: بينما أنا جالس في المسجد ،إذ أقبل أبو يوسف المسرور، ثم قال مجتهدا: والله الذي لا إله إلا هو إن الخَرْاءَ لحلو، يمينا باتة يسألني عنها يوم القيامة. فقلت له: أشهد أنك لا تأكله ولا تذوقه، فمن أين علمت ذلك؟ قال : رأيت الذبان يسقط على النبيذ الحلو، ولا يسقط على الحارز، ويقع على العسل ولا يقع على الخل، وأراه على الخُرء أكثر منه على التمر. أفتريدون حجة أبين من هذه..!؟). و ختاما، إذا كانت كل محاولات الإنساء القضاء على الذباب بكل ما أوتي من قوة لم تجدي نفعا فالأجدر من أمريكا ن تعرف أن العراق أيضا من الصعب بمكان القضاء على تاريخه.. وأقول (الله يعطي للدبان لعمى حتى ما يشوف هاد النعمة).
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق